ماذا يحدث في عالم كرة القدم؟ هل يعقل ان تصل صراعات على رئاسة الفيفا حد المهزلة؟ ويا ليت ان الصراع القائم بين جوزف بلاتر ومحمد بن همام هو لمصلحة كرة القدم، ويا ليت ان الرجلين هما فعلاً كرويان، او يحظيان بخلفية كروية، ويا ليت لم تكن رائحة الفساد تعم أزقتهما، ويا ليت كان شعارهما الشفافية والنزاهة.
لن أتحدث من منبع عربي او اسلامي، لانني سأتجرد من كل عاطفة وسأنحاز فقط للعبتي المفضلة كرة القدم... فقط كرة القدم، ولهذا أريد أفضل ما يمكن لهذه اللعبة، وافضل من يمكن ليكون على رأس هرمها... بعد نحو اسبوع ستصوت الاتحادات الكروية المنضوية تحت مظلة الفيفا لاختيار رئيسها بين احد المرشحين بلاتر وابن همام، سيكون صراعاً مريراً وقاسياً ومدمياً... نعم لكن لانه ليس هناك مرشح ثالث، وسيتعين على رؤساء اتحاداتنا اختيار أفضل السيئين، لانهما وجهان لعملة واحدة!
نعم، بلاتر أدخل عالم كرة القدم في متاهات المال والاقتصاد، وبالتالي الفساد، وهذا أمر طبيعي في أي مهنة يكون أساسها المال، وهو ما سيفعله ابن همام، متناسين انها رياضة... مجرد رياضة.
ما هو البرنامج الانتخابي لكلا المرشحين كي يقتنع رؤساء اتحاداتنا باي منهما؟ لم أر سوى حروب كلامية وفضائح واتهامات بالرشوة والفساد وشراء اصوات، ووعد لكل اتحاد بالمزيد من المعونات (رشوة).
الأمر بات شخصياً، وهي حرب ضروس لتكسير الرؤوس، بلاتر وعد بالرحيل في 2007 لكنه ظل حتى 2011، ويريد ان يبقى حتى 2015، وهذا أغضب ابن همام الذي وقف الى جانب الثعلب السويسري في 2003 و2007، واعتبر ان لا رئيس يستحق أكثر من ولايتين، هذا ما قاله رئيس الاتحاد الآسيوي الذي احتفل بولايته الثالثة على رأس هرم القارة الصفراء.
ماذا عنا نحن المشجعين العاديين، الذين يعشقون اللعبة ببساطتها، لماذا نبقى صامتين على مهزلة أصحاب المال والعقول الاقتصادية، فعندما نجح ميشيل بلاتيني في ازاحة لينارت يوهانسن من رئاسة الاتحاد الاوروبي، استعادت الكرة كبرياءها، واصبحت هناك فرصة لجميع الفرق في القارة من الاستفادة من اقتصاد اللعبة، وليس العكس، فبلاتيني الاسطورة الكروية يدرك ما تعني اللعبة للجميع، فكسب انتخاباته على خلفية مساعدة كل اتحادات قارته وفرقه بحصة من الكعكة الكبيرة، لكن ما يحصل في الفيفا فساد في فساد، فسكرتيره العام جيروم فالكه فقد وظيفته قبل اعوام بسبب أكاذيبه وفساده لكن بلاتر اعاد توظيفه، كي يقود حملة جديدة من الالتواء على القوانين والنخر في لعبتنا الجميلة، وفجأة صار هناك شح في المواهب الكروية، فأزمة الحراس يعاني منها الجميع، وللمرة الاولى لا نتطلع لرؤية هذه الموهبة او تلك كونها مفقودة، فأين الظهير الأيسر الواعد، وأين الظهير الأيمن المتميز، وأين الهداف الفذ وصانع الألعاب الذي تتهافت عليه كل الاندية، هذا كله اختفى من أجل التسويق والترويج لصورة النجم الذي باتت وسامته وقدرته التسويقية اهم من مهارته وموهبته.
الأمر لا يختلف كثيراً في الاتحاد الآسيوي، فمن المؤسف ان نرى فقط 3 دول عربية من أصل 12 يمكن لانديتها المشاركة في دوري أبطال آسيا، لان البقية لا تطبق الاحتراف... أي احتراف يبنى على اوهام اقتصاد واه، وعلى مدرجات تعاني، فماذا استفاد الاماراتيون من مشاركة 4 أندية كل موسم؟ لا شيء سوى الخيبة، فلماذا 4 من الامارات والسعودية و2 من قطر، ليس لان هذه الدول طبقت الاحتراف، بل لان في هذه الدول شركات اقتصادية وتسويقية تفيد الاتحاد الآسيوي، وهذا ليس موجوداً في الاردن او سوريا او لبنان او اليمن او عمان... الخ. فأين نجد اتحاد قارة يحرم ثلاثة ارباع اعضائه من المشاركة في مسابقة ابطاله كونها "هاوية" للعب كرة قدم، وليست محترفة، وكأن الفرق النرويجية والآيسلندية وبعض الشرق اوروبية كلها محترفة، فكثير من نجومها عمال وموظفون، واللعبة هي هواية لهم، لكنهم لا يحرمون من المشاركة في المسابقة القارية.
لماذا اقيمت نهائيات كأس آسيا 2007 في 4 دول؟ هل كان لاهداف كروية؟ بالطبع لا... لماذا منحت جوائز أفضل لاعب في آسيا لتطييب الخواطر ولم تذهب لمن تستحق؟ ولسخرية القدر فان كل من حصل عليها هبط مستواه واختفى من رادار النجومية. ماذا سأتوقع من ابن همام اذا اصبح رئيسا للفيفا؟
عندما خاض بلاتر وابن همام حربهما الاعلامية للترويج لحملتهما، لم يكن فيها أي بنود لبرنامج عن تطوير الكرة العالمية... كانت مجرد ردود وردود فعل، فابن همام سيتبنى التكنولوجيا في الملاعب فقط لان بلاتر يرفضها... وابن همام لا يحب ان يستمر الرئيس اكثر من ولايتين لان بلاتر ينوي الترشح للرابعة، رغم ان ابن همام في ولايته الآسيوية الثالثة... ابن همام ينوي توزيع الملايين على الاتحادات التي ستنتخبه، يعني عيني عينك، ليس لمشروعه الرائع وبرنامجه المثير لتطوير اللعبة بل بسبب المال الذي سيدفعه، مثلما أعلن للصحافة الانكليزية انه سيزيد من مداخيل الاندية وسيرفع ايراداتها، ولا شيء عن اللعبة، فلهذا السبب اعلن الاتحاد الانكليزي عدم نيته اختيار أي من المرشحين لانهما أسوأ من بعضهما ... بلاتر كان يرى ان قطر تستحق استضافة مونديال 2022، وبعد اعلان ابن همام منافسته على الرئاسة اصبحت الاستضافة مشكوكا فيها، وفجأة استفاق الى واقع الطقس السيئ خلال صيف الخليج رغم انه لم يمانع في اقتراح اقامة النهائيات في الشتاء.
الى متى سيضحكون علينا؟ الى متى سيضحكون على انفسهم وكأنهم في عالم آخر؟ ألم يسمعوا بربيع الثورات وماذا تريد الشعوب... هذه كرتنا ولعبتنا وليست لعبة الاقتصاديين.
الأربعاء مايو 25, 2011 3:13 pm
