جملة قالها السير أليكس فيرغسون مدرب المان يونايتد لعشاق الفريق بعد التأهل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، واقترابه من التتويج بالدوري الإنكليزي ليصبح الفريق الأكثر تتويجا في انكلترا، فكانت كلمات كافية لتجديد الحديث عن الرجل الذي قضى أكثر من 23 عاما على رأس أقوى واعرق الأندية في العالم، وقرر الاستمرار وهو على أبواب سن السبعين، وجدد وفاءه والتزامه مع النادي الذي قضى فيه نحو نصف حياته دون كلل أو ملل .
إعلان "توقف" أليكس فيرغسون مع المان لو جاء على لسانه كان سيكون الحدث الذي يسرق الأضواء ويعلق عليه الكبير والصغير، ولكنني فضلت التوقف عند قرار الاستمرار باعتباره حدثاً أيضا أهم وأكبر من قرار الاعتزال لأنه يرمز لرغبة الرجل في رفع تحديات أخرى لا تتأثر بالسن ولا مجال فيها للغرور أو الخوف من المستقبل، ويرمز أيضا إلى تقدير النادي لكفاءة الرجل وقدرته على العطاء مع جيل لم يكن قد ولد بعد عندما بدأ مدربا للنادي، ويرمز إلى قمة الإصرار والعزيمة والتواضع والوفاء بعد كل هذه السنوات والانجازات، وكل الصفات التي تخطر على البال حتى صار تصور مانشستر من دون فيرغسون أمرا لا يخطر على البال.
الرجل لن يتوقف حتى يموت ولن تتوقف قدرته على تكوين الأجيال و حصد الألقاب ونيل الإعجاب، ولا يبدو أنه سيغادر المان إلى ناد آخر لأنه لن يقدر ولن يرغب ولن يتركه النادي، ولا أحد يتصوره مدرباً لفريق أخر، و لا أحد يتصور على رأس المان يونايتد رجلا أخر غير فيرغسون، ولكن ليس ضد رغبته أو رغبة مسيريه وجماهيره.
نعرف بأن الطبيعة تكره الجمود وشعوبنا هذه الأيام تريد التغيير لأن حكامها ظلوا في مناصبهم مسلطين على رقاب شعوبهم دون تحقيق الانجازات، والطبيعة كذلك تحبذ الاستمرار والاستقرار عندما يتعلق الأمر بالإخلاص والوفاء والجهد والمقدرة على التألق والتفوق، وعندما يتعلق الأمر برجل من حجم أليكس فيرغسون المدرب والمربي والأب الروحي والأسطورة التي صنعتها أيضا ثقة الرجال في الرجل وتقديرهم لجهده ووفائه وانجازاته.
لا أقول شيئا جديدا عندما أثني على الملك لأن ملكة بريطانيا عندما كرمته سنة 1999 بعد الفوز بكأس دوري أبطال أوروبا والدوري الإنكليزي وكأس انكلترا ومنحته آنذاك لقب "السير" وصفته أفضل رجل في بريطانيا، وقالت عنه أنه يستحق أن توضع له صورة داخل تمثال ساعة البيغ بن. ولا أقول سرا جديدا لأن أحد المؤلفين الكبار في بريطانيا قال عنه أنه الشخص الوحيد في بريطانيا الذي يستحق بناء ملعب وتسمية فريق بأكمله باسمه لأن انجازاته تفوق كل القدرات والتصورات، ولم يسبق وأن حدثت ولن يفعل مثلها شخص أخر بعده.
عندما يكون الاعتراف والتقدير والاحترام والوفاء متبادل، يستمر العطاء والاستقرار، ويبقى فيرغسون مدرباً لمانشستر، ويبقى النادي يحصد الألقاب، ويستمر إعجابنا وتقديرنا للطرفين، وتزداد في المقابل حسرتنا على واقعنا الذي لا يعترف بقدرات الرجال و لا يقدرها، و لا يفرق بين التغيير والتجديد والاستمرار، وكل شيء فيه مبني على الأهواء والنزوات والعلاقات والتوازنات بعيدا عن الاحتراف والاحترام.
وفوق كل هذا وذاك لا نستخلص الدروس و لا نعرف متى نبقى ومتى ننسحب، ونقول مثلما قال فيرغسون أننا سنكون هنا الموسم المقبل شاء من شاء وأبى من أبى رغم الإخفاقات، ورغما عن كل الناس.